سألتُ عنك الأطباء، والمرضى في كل أزقة المستشفى، أفتش عنك بين المرافقين في الانتظار بدون وعي، أرى رجال الأمن يقتربون مني وهم ينادون ما لذي جرى توقفي قليلاً، وممرضتين تمسِكانني عن يميني وشمالي. تعاودني نوبة التشنج مثل كل مرة، وأسقط مرمية بين أيديهم
لا أرى ولا أسمع، يتوقف كل شيء من حولي، ولا أشعر بأحد.
يرخي الظلام سدوله أمام عيناي، وأشعُر وكأنما أطرافي تجمدت، لم يعد لديّ القدرة للسيطرة على أعضائي، حاولت جاهدةً رفع يدايَّ أو فتح عينايّ لكني فشلت.
لم أعد قادرة على تحمل أي شيء أو ربما لم أعد صالحةً لذلك؛ فجسدي الآن أصبح كما تُسمى أجسادُ الموتى "جثة هامدة".
حتى عقلي توقف عن التفكير بأي شيء أو أي شخص، أصبح عاطلاً عن العمل ولا فائدة منه!
توقف كل شيء لوهلة، تفكيري، وحواسي وحركة العالم من حولي، ورأيت نورًا يقترب مني ببطء شديد وكأن أشرقة الشمس كاملة في لحظة واحدة على الأرض! تُهت في أعماقِ ذلك النور وأنا أشعُر بخفة مريحة كأن تطير روح ببساطة بدون أجنحة، كما لو أنني تخلصت من ذلك الجسد المنحوس، ذلك الذي سجن روحي التي حاولت مغادرته عشرات المرات لتجنو هاربةً إليك لكن بدون جدوى! نورًا رأيتك نورًا فقط.
نحن لا نتحدث كأي بشريين فرقتهم الحياة، ولا أحتضنك إليّ كما كنت أتمنى؛
فالآن لم يعد يهمنا شيء نعم لقد أصبحنا روحين خلدتا إلا بعض!
لا أعلم كيف تراني، هل كما كنت تعرفني أم أنك لم تُميز حتى أبرز ملامحي؟!
يبدو لي أنك لم تنتبه لعينايَّ الكبيرتان الممتلئتانِ بك، لقد قلت لي ذات مرة أنك في كل مرة تُقابلني بها لا تمل من النظر إليهما؛ لأنك تشعر أنك أهم شخص في العالم عندما تجد نفسك فيهما.
لم تسألني أين أريد الذهاب، وهل أنا جائعة أو لا لتخيرني أي الأماكن أحبُ الأكل فيها، هذه المرة مختلفة تمامًا عن كل المرات فقد مشينا كثيرًا ولم تلتفت إليّ قائلاً هل تعبتِ من المشي لنسترِح قليلاً!
فها قد مشينا كثيرًا أو ربما طِرنا كثيرًا، لا أستطيع معرفة وضعنا الآن، فنحن مجرد أرواح في الهواء لا نستطيع معرفة شيء ولا أحد يستطيع معرفتنا، توقفنا أخيرًا عند نهرٍ من الأحلام الذي بنيناها في مخيلاتنا، ورسى قارب أمنياتنا على مرسى دعوات مؤجلة، يبدو أن الوقت لم يأنِ بعد لنعيشها، يبدو أننا سننتظر كثيرًا، لكننا في هذه المرة سويًا ولا يهم.
لا أعلم ما إن كان لُقيايَّ لك حلمًا سأصحوا منه بعد الغيبوبة الثالثة، أو حقيقة نحن نعيشها الآن، لكني أعلمُ جيدًا إن كان حلمًا سأكتبه بقلم من أخشاب الفراق، ومن حبر وجع الأيام، وسأُخطه بيدٍ بُعثت من الموت موحشة الحروف، هامدة الوصف!
فإن كنتم قد قرأتموها فلا تكترثوا، نعم قد كان حُلمًا.
بقلم : أفنان الجماعي

تعليقات
إرسال تعليق