ها قد عدنا للصراخ من جديد، وكأنهم لا يعلمون عن الحديث شيء سوى الصراخ، ها هو أبي يصرخ على أمي ويهددها بأنه سيبرحها ضربًا، فهل تصمت أمي! بالتأكيد لا، فتصرخ أمي أنها ستتركه وحيدًا، وليريها كيف سيبقى على قيد الحياة بعد رحيلها، كان كل هذا يحدث يوميًا وأنا فتاة في الثامنة من عمري، فقد كنت أختبيء من أصواتهم وصرخاتهم خلف جدار غرفتي، وفي ليلة كالمعتاد تعالا صوت الشجار، فبعد تركهم الآخر ليتمتم كلًا منهم بكلمات غير مفهومة، جلست إلى جوار أبي، ففزع وكأنه رأى عفريتًا، فقد أمسك يدي قائلًا:- هل مازلتي مستيقظة صغيرتي أم أنك فزعتي من أصوتنا؟ كلمات أبي أصابتني باللجوم، هل كان يعتقد كل ليلة في شجارهم أني أحظي بنوم هاديء! فأمات برأسي ثم تمتمت بنفس متقطع، كيف تزوجت أمي يا أبي؟
فابتسم وكأنه قد رأى ذكرى جميلة، رأيتها أول مرة في الحي المجاور لي كدت أموت بسببها فقد كانت تسير على الرصيف، وأنا كنت أعبر الطريق فسرحت بجمالها وكادت سيارة أن تصتدم بي، ثم بعد عودتي للمنزل حاولت كثيرًا نسيانها ولكن لم أستطع، فعقدت النية أنني لن أتزوج سواها، ولكن كنت لا زلت صغيرًا لا أملك شيء من إلزامات الزواج، فمن سيرضي بشخص مثلي زوجًا لابنته، ولكن لم أستسلم، فذهبت وطلبت يدها من أبيها لكنه رفض فخرجت هي من خلف الزجاج الباب وقالت أستميحك عذرًا أبي لكن موافقة، لا أخفيك سرًا شعرت حينها أن ملكة الدنيا بين يدي، حاربنا كثيرًا لأجل أن نكون معًا، ولكن يبدو أن الأمر سينتهي هنا، فأجبته أبي أيمكنك أن تحدث أمي بصوت خافض وأن تذكرها بكل هذا، فهي تحبك جدًا، فهي لا تتوقف عن الحديث عنك فى غيابك، أيمكنك أن تبقى معاها فهي أخبرتني ذات مرة أنها لا تملك سواك هُنا.
بقلم : روان محمد صلاح

تعليقات
إرسال تعليق