+18

القائمة الرئيسية

الصفحات


بقلم/ محمد أبو بكر


قالت رميساء ذات التسع سنوات " بابا جِه" .. 

كانت له رائحة مميزة تسبقه، ليست رائحة الخلطة العطرية غير المتناسقة التي يحضّرها بنفسه وينثرها على ملابسه قبل خروجه من البيت، بل الرائحة المنبعثة من الصياد والتي يلتقطها أنف الفريسة عن بعد من طول عهده بها. 

قبل أن تستوعب الأم الكارثة، اخترقت مسامعهن تكة المفتاح المرعبة في الباب، وتجلّى لهن الوحش الوسيم ذو الوجه المصبوغ براءةً، لو أنك تراه لأول مرة لأقسمت أن نور الإيمان ينبعث من تقاطيعه الطيبة.

 من وقع المفاجأة لم تضغط الأم على زر الإطفاء، ولم تجرِ واحدة من البنتين. كان الموقف دراميًا إلى أقصى درجة، أب يتلافى الحرام ويتقيه بشتى السبل، حتى أنه انعزل عن الدنيا وأهلها. لا يزور ولا يستقبل أحدًا، لا يصلّي جماعةً في المساجد حتى لو كان للإمام نفس سمته، لا يطمئن لصحة صلاته إلا إذا صلّاها منفردًا، لا يفطر في رمضان إلا بعد أن يغمر الظلام كل شيء، لا يشتري طعامًا من خارج البيت لأنه لم يعاين بنفسه عملية الذبح، ولا يطمئن لخلو المواد المضافة إلى أبسط المأكولات كالبسكويت والنايتي من المواد المحرّم أكلها، وحين يختلي بزوجته يضع كفه على فمها طوال العملية خوفًا من أن ينطق لسانها تحت وطأة اللذة بلفظ يغضب الله، رجل لا ينتمي لجماعة دينية على غرار السلفية، والإخوان والتبليغر والدعوة، وما إلى ذلك، يراهم جميعًا غارقين لأذقانهم في الجاهلية الأولى، أب كهذا لم يسمح بدخول التليفزيون بيته إلا بعدما وقفت زوجته على الطلاق، زوجته التي اعتبرها في قرارة نفسه جارية اشتراها بحر ماله كيما تدرأ عنه شر جسده، اعتبرها كذلك منذ قفزت من مركبه مبكّرًا، وإن ظلّت محتفظةً بالسمت الذي يرضيه، هذا الأب الذي لم يُدخل التليفزيون بيته إلا انطلاقًا من رغبة في معرفة أحوال الجاهليين ليأمن مكرهم، يدخل على زوجته وبنتيه فيجدهن جالسات أمام راقصة ترتدي ما هو خلعه أهون من بقائه على جسدها، وتتلوّى على وقع موسيقى صاخبة كمن مسها طائف من شيطان! ماذا عساه أن يفعل؟ 
سار بهدوء نحو التليفزيون وأغلقه، ثم طلب من البنتين العودة إلى حجرتهما، ومن زوجته أن تتبعه. 

تبعته "نجلاء" إلى حجرة النوم، طلب منها أن تستحم وتتعطّر، فانبسطت قسماتها وجرت الدماء في مجاريها بعد تجمد. 

لم تصل إلى تلك الدرجة من الاستمتاع طوال سنوات زواجهما العشر، كان في حالة من التألق جعلتها تقرر عن سماحة نفس تقديم المزيد من التنازلات من أجل خاطر لحظة كهذه، طمعت في المزيد، والمزيد منها.
 ركبتها رعدة لم تخبرها من قبل، وارتجفت كأنها تقف في مهب ريح، انبثقت دمعة وسالت على خدها بتلقائية. تمنّت لو أمضت عمرها كله تبكي ما دامت الدموع مصحوبة بهذا النصيب الوافر من المتعة. 

استلقى على ظهره، وأطلق زفيرًا طويلًا، وقال: 
كده أنا أكلت من الزاد ما يكفيني لسنين أدام .. 
والتفت إليها، وهي مستلقية على جنبها تتأمله في نهم، وأردف بنبرة خافتة: 
نجلاء .. إنتي طالق. 
بكرة الصبح تاخدي بناتك وتروحوا تشوفوا حياتكم بعيد عني.

تعليقات

التنقل السريع