نَحنُ جُثث إستعارتها الحياة

القائمة الرئيسية

الصفحات

نَحنُ جُثث إستعارتها الحياة


نَحنُ جُثث استعارتها الحياة، أودعت فيها ذواتًا ليست لنا، أنتشلتنا من بين كفي الوفاة، وألزمتنا أن نعيش هُنا.

نَحنُ أرواح ضلت طريقها الى النعيم، فأصطادتها كمائن الحياة، لتُجبرها على العيش في هذا المكان الذميم وحرمتها من حقها في النجاة.

أرواحنا ضلت في الطُرقات، فأُصطيدت بسهولة كاليرقات، أُجبرنا على تزييف الابتسامات والعيش في كذبات.

خالونا أحياء، ونحن في ذواتنا أموات، ظنوننا أننا بأمتلاك جمال زُرقة السماء، أمتلكنا سُبل الشُهرة  و الصداقات، حسبوا كلماتنا تتردى في الأصداء، وهُم لا يدرون أننا مجروحون ولهذا نَحنُ عالي الأصوات، ونَحنُ في أنطراح البلاء، نُعلي صوت الضحكات، نُظهر لكُل مارٍ كم نَحنُ سُعداء، ونَحنُ غارقين في رماد الذات.

لم نَعُد نلجأ للبُكاء، لأن المُوتى ليس لهم دموع، وعندما يحين بنا اللقاء، نضحك ونُدهش الجموع، وبداخلنا صدام بين الكثير من الأشياء، وخارجنا لا تظهر عليه تلك الصدوع.

سقطنا بين الماء والنار، هوينا من البعيد، أدعينا القوة وأنكرنا ما صار، وصرنا جُثثًا تعيش، لامسنا مُنذ زمن الأنهيار، وكذبنا أننا وُلدنا من جديد، لم يتغير فينا شيئًا في موسم الأمطار، كُل ما في الأمر أننا غرقنا في الأوزار.

فقدنا ذواتنا وتجردنا من الحياة ولكنها فرضت نفسها علينا كمولاة، فقدنا أرواحنا وصِرنا نكذب طوال النهار، ندعي النزاهة ونَحنُ عنها بِعاد، عشنا في هذه الدُنيا بالإجبار، وتمنينا أن يقف العالم لأجلنا وقفة حِداد.

لم نكُن ننتمي لهذا العالم وفُرِضَ علينا البقاء، أدعينا أننا بخير ونَحنُ أموات كما لو أننا أذكياء، لسنا أكثر من جُثث تنتظر الأكفان، سقطنا من علو السماء، و سُجنا بظُلمة المساء، وعِشنا بزي إنسان.

حرروا أرواحًا ماتت قبل الأوان، حرروا قلوبًا أنكسرت بين أسطر الزمان، لم يعُد فيها أي قدرة للبقاء في هذا المكان، لقد وصلنا بالفعل لنهاية الألحان، حان الوقت لوضعنا في الأكفان وتحريرنا من قيد يُسمى الحياة لأننا لم نكُن أحياءًا في كتاب الأيام، حان الوقت لنعُد للوفاة، فنَحنُ كُنا هكذا على الدوام.

نَحنُ جُثث إستعارتها الحياة، وبقلم نقشت أسمها علينا، ألزمتنا بأن نعيش كأمر مولاة، ونَحنُ بالفعل قد هوينا.

بدمعة سيالة نصرخ بتوجع شديد، وبأبتسامة أخاذة نسبي كل من يرانا، هكذا أُجبرنا أن نعيش، ولم نعش كهوانا.


بقلم : ريموندا حنا

مسئول قوافل خارجيه لدى جمعية رساله

تعليقات

التنقل السريع